مسؤولون أمريكيون یحذرون ترامب من العبث مع إيران
يمنات
خرج مسؤولون أمريكيون ليُعبِّروا عن قلقهم تجاه التوجه الأمريكي الهادف لإقصاء الدور الإيراني. ومع التعبير عن ذلك، امتزج الشعور الأمريكي بالخوف، نتيجة حقائق الواقع التي باتت أمام صورة واضحة للمنطقة لا يمكن فيها التغاضي عن خيارات إيران الإستراتيجية. في حين يجد البعض من المسؤولين الأمريكيين أن ترامب ينسج من خياله أهدافاً تتناقض مع المصلحة الأمريكية. فماذا في التصريحات التي أطلقها مسؤولون أمريكيون والتي كانت أشبه بالتحذيرات؟ وكيف يمكن قراءة ذلك؟
مستشار أمريكي في شؤون الخليج الفارسي: أمريكا تتجه للعزلة وحربها ضد إيران محفوفة بالمخاطر
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالة كتبها مستشار البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج الفارسي بين عامي 2013 و 2015 “فيليب غوردن”، تمحورت حول التهديد الأميركي لإيران. واعتبر الكاتب أن “التحذير الرسمي” الذي وجهه مستشار الأمن القومي الأمريكي “مايكل فلاين” إلى إيران على خلفية التجربة الصاروخية. مُشيراً إلى أنه وعلى الرغم من عدم وجود أي دليل يُدين إيران، فإن موقف أمريكا يضعها إما أمام تراجع مُحرج أو مواجهة محفوفة بالمخاطر. مؤكداً أنه وبينما يدعي المسؤولون بإدارة ترامب أن لديهم العديد من الخيارات للرد بشكل أقوى على إيران، فان الحقيقة ليست كذلك.
وأشار الكاتب المُخضرم في شؤون المنطقة إلى أنه يستبعد حصول ترامب على أي دعم دولي في ظل سعيه إلى إيجاد طرق لمعاقبة إيران على خلفية التجارب الصاروخية، لافتاً إلى أن هذا الدعم الدولي هو أمر ضروري لجعل العقوبات أكثر فعالية، في حين يبدو واضخاً أنه غير مؤمَّن. وتابع أن أمريكا تجعل نفسها في عزلة خصوصاً أن معارضة هذه التجارب أمر لا تؤيده أغلب الدول الغربية الحليفة لواشنطن وليس فقط روسيا والصين. ونبَّه الكاتب الإدارة الأمريكية الجديدة إلى أنه لدى إيران العديد من الخيارات للرد على أي تصعيد أمريكي، مؤكداً أن طهران لن تسكت.
مسؤول في المخابرات الأمريكية: تصعيد ترامب ضد إيران يتنافى مع المصلحة الأمريكية
أكد المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “بول بيلير” في مقالٍ له في “ناشونال انتيريست” أن مستشار الأمن القومي الأمريكي “مايكل فلاين” تجاهل الكثير من النقاط المهمة في مقاربته للتعاطي الأمريكي مع إيران. مؤكداً أن أي دعم تقدمه إيران لجماعة أنصار الله في اليمن يُعتبر هامشي مقارنةً بالتدخل العسكري المباشر من قبل كل من السعودية والإمارات في اليمن. مُحملاً مسؤولية الخراب والدمار والضحايا المدنيين في اليمن إلى السعودية والدعم الأمريكي لها. مُعرباً عن استغرابه من الموقف الأمريكي تجاه إيران خصوصاً أن واشنطن لا تتحرك ضد الجماعات الإرهابية في اليمن وتحديداً تنظيم القاعدة والذي يُهدد الأمن القومي الأمريكي!
من جهة أخرى تحدث بيلير عن الدوافع العديدة التي تقف وراء اعتماد إدارة ترامب للنهج التصادمي مع إيران. ومن أهم هذه الدوافع دعم إدارة ترامب لحكومة كيان الاحتلال الإسرائيلي بشكل مطلق، وسعيه للاستفادة من معارضة الاتفاق النووي كوسيلة للخوض في خيارات تُخالف الإدارة الديمقراطية السابقة. فيما يضع ترامب جعل إيران في قلب أجندة الإسلاموفوبيا كهدف أساسيٍ له.
وحول هذه الدوافع علَّق الكاتب مُعتبراً أنها غير سليمة من زاوية المصالح الأمريكية، مشيراً إلى أن الفرصة الأفضل لتغيير سياسة ترامب التصعيدية حيال إيران قد تتمثل بقيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإقناع نظيره الأمريكي بتبني استراتيجية روسيا في سوريا، والذي سيعني حتماً العمل بالتوازي مع إيران بدلاً من النزاع معها بحسب تعبير الكاتب.
أمريكا في مأزق الاعتراف بأهمية الدور الإيراني: تحليل ودلالات
عدة دلالات يمكن الخروج بها من خلال ما تقدم نُشير لها في التالي:
أولاً: لا شك أن التخبُّط في تحديد المصلحة الأمريكية واضح لدى الطرف الأمريكي حيث تعيش واشنطن حالة من التحول بين خيارات الإدارة الأمريكية السابقة والتي كانت بصبغتها الديمقراطية تتعاطى من مُنطلق الاعتراف العلني بأهمية الدور الإيراني. في حين تعيش الإدارة الجديدة بلونها الجمهوري حالة من المأزق، حيث باتت مُوقنة بأهمية دور إيران دون القدرة على الاعتراف بذلك.
ثانياً: تؤكد هذه التصريحات أن الخلل في مسار السياسة الدولية لأمريكا كبير. بالإضافة إلى ذلك فهي تؤكد أيضاً أن إيران استطاعت التغلب على كافة المؤمرات التي حيكت لإخضاعها وصولاً إلى أن أصبحت طهران ضرورة اليوم لكافة الأطراف، كجهة وحيدة قادرة على لعب أي دور محوري في حل أزمات وصراعات المنطقة. في حين لم تعد أمريكا قادرة على فرض رؤيتها حتى على حلفائها الغربيين الذين باتوا يجدون في الطرف الإيراني حاجة لهم لا سيما بعد أن ضربتهم أزمة الإرهاب. وهو ما أفقد أمريكا قدرتها على الحشد ضد طهران.
ثالثاً: تفتقد واشنطن لأوراق القوة التي كانت تعتمدها في فرضها للسياسات. وهو ما يُعتبر جديداً على المنطقة، الأمر الذي يُشكل تحدٍ جديد لإدارة ترامب، والتي جعلت خطابها يتميز بالحدة ضد طهران. مما جعل العديد من المسؤولين الأمريكيين يُحذرون من إمكانية وقوع أمريكا في إحراج التراجع أمام الصمود الإيراني وتعدد الخيارات.
إذن يستمر الكباش الدولي بين أمريكا وإيران. كباشٌ يتسم بالعداء التاريخي الذي لم يتغير يوماً. بل إن إدارة أوباما السابقة لم تكن أقل عداءاً، فيما اتصف سلوكها بالدبلوماسية التي لم تستطع الصمود أمام ثعالب السياسة في طهران. واليوم يظن ترامب وإدارته الجديدة أن أسلوب الصدام قد ينفع. لكن إيران التي تمتلك ثعالب في السياسة والدبلوماسية، تمتلك أيضاً أسوداً قادرين على ردع أمريكا في أي مكان. ولعل الخيار الأمثل أمام إدارة البيت الأبيض الجديد، هو التروي والاستماع لنصائح المخضرمين بشؤون المنطقة، منعاً لأي استفزاز لن تقف أمامه طهران مكتوفة الأيدي.
المصدر: الوقت